معضلة ‏القطار ‏


مُعضلَةُ القِطار 
تبدأ المعضلة بأن  هُناك قِطار يسِير بقوة  .وفجأة إكْتشف السَّائق أن الفَرامل لا تعْمل ولن يستطيع التَوقف في أي من نَوبات توقفه ونتيجة لذلك وَجد نفْسه أمام ٥ عُمال على مساره سيدهسهم قطاره وقام  بمحاولات عدة لتنبيههم ولكنهم لا ينتبهون ولحسن الحظ كنت أنت تقف بالقرب من الحَدث وقريبا من البَّدال أيضا  ظهر لك حل مُناسب أن تغير مسَار القِطار لطريق أخر  بإستخدام البَّدال (المُحول)ولكِّنك لمحت عاملا في هذا المَسار يعمل على قُضبانه  وبدأ صِراع أخلاقي لحَسم القرار هل تَترك القطار يسْتمر في طريقه ويَدهس الخَمسة أم تغير مَساره ويدْهس شَخص واحد تقلِيلا للخسائر ،وتعاود التَفكير وتتَساءل   ما ذنب ذلك الشَّخص الذي سَيدهسه ..وهو لم يَكن في طريقه أصلا ..حسنا اجعله  يسْتمر في طريقه فهؤلاء الخمسة هم من قُدِّر لهم الفُقدان في الأساس ...ولَكن كيف هَذا  واحِد اقل خَسارة من خمسة أغَّير مساره أفْضل كثِيرا ....

لو كُنت في موقفه ما هو القرار الأمثل برأيك ؟ 

بعد عمل إستبيان للرأي وُجد أن ٩٠% من المُشاركين قَرروا بأن الحَل الأفْضل هُو تغْيير المسَار فَقتلُ واحد بديهيا أفضل من قَتل خمسة ... إلى الأن يبدو الحل منطقيا ولكن الغريب أنه حين طُرح نفس الإِستفتاء على نفس الأشْخاص مع تغْيير بَسيط وهو أن تتخيل نفْسك أنت شَاهد على الحَدث وترى الأَمر برُمته قطَار مُسرع بلا كوابِح  وخَمسة أشخاص على مَساره وأَنْت تَقف تشَاهد القطار وبِجانبك شَخص سَمين جِدا أنت تعلَم تماما أنك لو دفعته في مَسار القِطار سيَجعل القطَار يَتعطل عن دهس الخَمسَة وتكون ضَحيت بذلك الشَّخص في سبيل الخَمسة أشْخاص طرح الإستفتاء ووجد أن نفس النسْبة تقريبا التي أيدت تغيير مسار القطار في الإِستفْتاء الأول هي نفْسها التي رفضت تماما أن تدفع بالرجل السَّمين في مَساره لتضحي بواحد مقابل خَمسة !!

ما هذا التناقض البشَري النَتيجة في الإِستفتاء الأول والثاني واحدة  وهي إِنقاذ خمْسة مقابل التضحية بواحد لماذا أيد الناس الحل في الأول وأستبعدوه في الثاني ؟!!

هلْ مثلا تَعاطف النَاس مع الشَّخص السَّمين لأنه لم يكن داخِل الأحْداث من الأساس !!؟،لو كان الأمر كذلك فالعامل في الإِستفتاء الأَول لم يكن في الأحْداث هو الأخر فقد كان يعمل في طريق مُنفصل تماما أيضا...
المعْضلات التي حَيّرت العُلماء فأي التَصرفين أخْلاقيا أفضل؟!!

في الحقيقة أول من طَرح هذه المُعضلة كانت البريطانية فيليبافوت وقد طرَحتها بأكثَر من صُورة بتغيير أحد العوامل ولكن هذه المُعضلة لم تأخذ شُهرتها إلا عن طريق الأمريكي جوديث جافريث تومسون  وقام بتحليلها على أسس أخلاقية وصراعات فلسفية ودينية وصراعات إنسانية وعاطفية  فالشخص المتصرف في الحدث بإنقاذه خمسة أشخاص قد قام بفعل عظيم حتى هذه النُقطة ولكن هناك نقطة أخرى وهي أنه أنْقذهم على حساب حياة شخص أخر... وكَان بيد هذا الشّخص أن يترك الأمر يَحدث فبالنهاية هُو لم يكُن له يد في ذلك الموضوع من الأساس وليس مسؤولا أيضا عما سيَحدث فالأفضل أن يترك الموضوع  للقدر تفاديا للصِراع النفْسي الذي قد يخلفه عليه تصرفه مُستقبلا ولكن كيف وقد كان بيده أن يُنقذ خَمسة حَيَوات هل لن يؤرقه ذلِك أيضَا 

جُوديث وضع فرضيات كثيرة للمعضلة منها أنه إفترض أن الخمسة أشخاص كانوا في التسعين والشخص الأخر كان طفلا إبن عام هَل ستَختلف أخْلاقية التَصرف ؟ 

إفترض أيضا أن يكون الخمسة أشَخاص ليْس بينهم من تَعرفهم في حِين أن الشَّخص على القضيب الأخر كان صَديقك أو حبِيبتك أو أحد أفراد أُسرتك أيْن يكون مَوقف الوازع الأخْلاقي والإنْسَاني ؟

وَهل رُؤيتك للحَل الأمْثل  بأن تَقتل نفْسا في سبيل حياة خَمسة سَتختلف لو كانت هذه النفْس هي إِبنك!؟ يستمر التساؤل ستقول لي هل هذا يحتاج لتفكير إنه إبني سأجعل القطار يمر ليقتل الخمسة ما ذنب إبني إنه لم يكن له علاقة بالحدث أصلا لما ستقحموه !!!!

هَل تُلاحظ ؟

الحل الأَمثل إخْتلف بإِختلاف المُعطيات 

فحِين تَرى إبْعاد الخَطر عن إبْنك لو أقَحَمناه في المُعضله هو الحَل الأمْثل بالنِسبة لك وترى ما يُبرره فالبنْسبة لي إبْنك  لا يعنيني هُو شَخص كأي شَخص ولا أَعرفه وأرى أن أُضحي به في سَبيل الخَمسة أمر بديهي جدا حياة فرد مقابل حياة خَمسة أفراد أو بمعنى أخر إِضطراب حياة أسرة واحدة  مقابل سعادة حياة خمسة أسر ...

**الاستفتاء الذي سبق وأن ذكرته طرح بنفس الطريقة ولكن على أطفال في عمر  الثامنة ..**

ماذا كانت نتيجة الاستفتاء ؟

نفس النتيجة في الاستفتاء الأول 

٩٠% تقريبا من الأطفال قررو بتتغيير مسار القطار ليدهس واحد في سبيل حياة خمسة 

 

والعجيب أيضا أنه في الإستفتاء الثاني نفس النسبة تقريبا  رفضت التضحية بالسمين والدفع به في طريق القطار  إنقاذا للخمسة أشخاص  وإعتبروه تصرفا لا أخلاقيا رغم أن النتيجة المفترض أنها واحدة !!

 

هذا يجرنا الى مبدأ النفعية للفيلسوف جيرمي بنثام  الذي يرى أن صحة القرار ترتبط بجودة العواقب فببساطة  ..فإن قرارك يصير صائبا لو قدم منفعة لأكبر قدر من المجتمع فكلما استفاد عدد أكبر كلما كان قرارك أصوب وأصوب ،،،

ولكن هذا كان مبررا لكثير من التصرفات السلبية عبر التاريخ فلو كان الحل بهذا المبدأ لمشكلة القطار وسنضحي بالفرد مقابل الخمسة افراد فإن مسألة الإعتداء على دولة صغيرة عدد سكانها قليل وإحتلالها وقتلهم وأَخْذ مَواردهم في سبيل دولتك التي عدد سكانها أكبر هو تصرف سليم فقد ضحينا بالقليل في سبيل راحة وسعادة وحياة عدد أكبر وقِس على ذلك كل الأحداث السَّلبية التي بهذا المبدأ ستصبح قرارات عظِيمة وسيُصبح مثلا موضوع مثل موضوع الأقليات التعامل معه محْسُوم .....!!

،،،،،،،،،،الأقليات دائما صداع في رأس الدول مجموعة شاذة دينيا أو عرقيا أو ثقافيا في المجتمع ولهم طلبات خاصة تختلف مع التناغم الطبيعي للمجتمع إنهم مثل المسمار في قالب الكيك  مسألة التخلص منهم سيصير حلا عظيما لراحة المجتمع وسيجعل المجتمع أكثر تجانسا وتناغما ..؟!!

سلبيات هذا المبدأ جعل الكثير يعارضه ومنهم *الفيلسوف كانط* الذي يرى ببساطة حماية حقوق الفرد بغض النظر عن مصلحة المجتمع ويرى أن النتائج الوقتية التي تبدو صائبة في وقت ما ليست بالضرورة صائبة وصالحة لكل الأوقات ومسألة الحكم على صحة القرار بمنظور النفعية الأكثرية يبقى غير عادل لأنه على حساب أشخاص أخرى،،،،، 

حل معضلة القطار

،،وبذلك فإن حل معضلة القطار بمبدأ النفعية أو اللانفعية سَيجعلنا نتطرق لصيغة أخرى من معضلة القطار ......

بأَن نَجعل مُحركا الَأحداث شَخصين أحَدهما له إبن بين الخمسة عمال والأخر إبنه يعمل على الطريق الفرعي  كيْف يكُون القَرار ؟

ومن يَكون له الأولوية ....أعْتقد أنَك سَتسَارع بأن القرار الأفضل هُو التضحية بذلك الإبن الوحيد فالإبن الأخر معه أرْبعة وبِمنطق النفْعية سنميل للتضْحية بالإبن الوَحيد ولكن مَاذا لو حَدث صِراع بين الشَخصين صَاحبي القَرار كل منهم يُريد إنقاذ إبنه حُجة الأَول أن إِبنه لم يكن ضمن الحدث فلماذا نقحمه وحُجة الأخر إبني معه اربعة ارواح أخرى  مَاذا لو قرر الثاني قتل الأول لكي يتمكن من تَحويل القِطار ولا تقلق  ..ليس هناك جريمة ..!! فإن بِمبدأ النفعية الأكثرية سَيبقى مُبرر أننا مازلنا لم نُضحي إلا بشَخصين مقابل خمسة!!!

الخُلاصة :من مُعضِلة القطار رغم أنهَا تبدو بسيطة في بدايتها إلا أن عُمق التَفكير فيها سيجعل منها عبئا فكريا وأخلاقيا ..وسَيجعل النظر لصِحة أي قرار على إطْلاقه هي مَسألة غير موجودة والشَخص الذي يظن أنه يأخذ قرارا ويظن أنه القرار الصائب بنسْبة١٠٠% هو شَخص واهم ..

ليبقى السؤال هل هناك حل أخلاقي مثالي لمثل تلك المعضلة وشبيهاتها ..أم أن الحلول المثلى ليست بالضرورة أخلاقية ؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هذا ‏ جيد

المال ‏الوهمي ‏

البطاقة ‏ الذكية